السبت، 11 فبراير 2017

مروة حسن الجبوري ... خريف العمر


ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏شخص أو أكثر‏ و‏أشخاص يجلسون‏‏‏



على رصيف العمر، ثمة اوراق صفراء ذابلة، تتساقط من الروح فلا ماء يعيد لها الحياة، ولا غصن يتمسك بها، تهوي الى القاع تسحقها الايام بكل ما فيها، لم تعد لها قيمة كما كانت في العلاء، باتت رخيصة، هاوية، فقدت بريقها الألمع، صبغت لونها بألوان أخرى، وغيرت ملامحها، فلم اعد اعرف إن كانت ورقة شجرة منشارية، أم ورقة مسننة، سهمية، تمايلت فأنكرت أغصانها، وأسقطتها الرياح ورمت بها على رصيف ممتلئ بالأوراق، فهذه اقل عقوبة حلّت بها.

تجاهلت تعب الأشجار في تغذيتها ونموها، في تربيها وتزينها إلا أنها ردت الإحسان بالإساءة والذبول، أتأمل في عود الشجرة وكيف نقش عليه ورقة خضراء يواسي بها الشجرة، وعود آخر جمع أوراقه ونثرها، تزينت ورجعت لها الحياة، إلا أنها تعوّدت على النكران ممن تعطيهم كل شيء، تثمر فيقطعها الإنسان ويحرقها ليدفئ بها جسده، ويستريح على كتفها العصفور بعدما يفترش جناحية ويهدأ من هروب القط المفترس، ويستند عليها الفلاح حين يعرق جبينه، وتخبئ خلفها شهرزاد القرية حينما يغازلها القمر، ويخط على جذعها شهريار المدينة حروف عشيقته ويرسم لها شيئا يدق على يسار جسده.

وأخرى تعلق أرجوحة ولدها على أوتارها ليكف عن بكائه، تسلمهم أغصانها وتفرش أوراقها، لعلها تنال رضاهم، ومع هبوب أول ريح، يرحلون عنها، يتركونها تواجه الموت، حتى تلك الأوراق المتلاصقة تحاول أن تتعرى، وعند أول سكرة من الموت يقطعون جسدها، ويجعلوها تحترق من اجل رماد يتطاير ويرحل مع أول نسمة، فتصبح بكل سهولة عصا يهش بها الراعي على الغنم، في ربيعها الآن، راسخة جذورها، لا ترهبها الهوجاء، ولا تكسرها الأعاصير، بل تدور حولها فتنحني احتراما لجذورها الأصيلة، تبتسم جذورها وتنتعش أغصانها وتفتح أوراقها، لتلك العواصف الثقيلة، وتبقى الأوراق النظيفة الخالصة تزين هذه الأشجار وتسقط منها الصفراء الخائنة.

كهذه الشجرة حياتي، كورق الخريف هم الأشخاص الذين قابلتهم في حياتي، البعض يعيش معي في ربيع آمن، ينعش المواقف بالصدق والإخلاص، ويقوي الشجرة بالغذاء الصالح، فيكون نعم الأخ والصديق ونعم الإنسان، والبعض الآخر بدأت أوراقه تفصح عن مضمون لا يليق بالإنسان، فاصفرت أوراقه وتساقطت عند أول موقف، وآخرون صيفهم طويل لم نكتشف ضمائرهم بعد، قد يحرقنا وقد يطفئنا، لا نعلم مدى قيمتنا عندهم، شمسهم لم تغرب، الى الآن نحن في قربهم، وقليلون من كان شتاؤهم باردا، قطرات أمطارهم تسقي أرواحنا، وتنبت الأمل الاخضر في صحراء قلوبنا.

بين هذه الفصول هنالك من ضاع فيه الأمل فلم ينفع معه إلا الخريف، تسودّ أوراقه وتصفّر، يتلوّن مع كل الفصول، مغرور، منافق، متملق، معسول ظاهره، ومفسد باطنه، تأتيه الرياح فيسقط كما تسقط الحشرة من التفاحة، هؤلاء الذين مروا في حياتي، وآخرون باقون في حياتي ما حييت.

رغم هذه الفصول إلا انني متمسكة بأغصاني الباقية، انثر عليها ندى العمر وما تركته لي ذرات الرياح، مازالت العصافير تغرد فوق أغصاني وتبني أعشاشها بأمان، الفراشات تراقص أجنحتها على أوتار قلبي فتمنحني جمالها ورونقها، وتعزف سمفونية المحبة لكل الأوراق التي مازالت تزين حياتي بوجودها قربي، فشكرا أيتها الفصول التي ما فتئت تمنحينني الأمل والرجاء.

في هذه الدنيا نمر بكل الفصول، نقف عند الكذب، وعند الألم، نفقد الحب، نعطي الثقة، نعيش كل هذه الفصول، وتموت في كل عام لتحيا فصول اخرى، لكنها تبقى المحطة المؤلمة، ورد عن الامام علي (عليه السلام) في الأصدقاء: لا خير في ود أمرئ متلون إذا الريح مالت، مال حيث تميلوا ما أكثر الإخوان حين تعدهم ولكنهـم في النائبات قليلُ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق