الثلاثاء، 9 أغسطس 2016

خالد عبد الكريم .. صــرخــــة مـــــن نــــــار .. قصة قصيرة




في نهاية شهر رمضان المبارك أتفقَ الأصدقاء على تحديد موعد للذهاب إلى السوق لشراء ملابس العيد. الذي سوف يهل هلالهُ بعد أيام قليلة! وإذا بالموعد قد تأجل! وقال: سامر أليس اليوم موعدنا للذهاب إلى السوق؟ فأين الأصدقاء؟. قال: محمد لا أعلم ياصديقي! دعني اتصل بعلي وأسألهُ عن سبب التأخير؟ سامر قال: نعم وأنا سوف اتصل بعمر هو أيضاً تأخر!. 
- محمد الووو علاوي وين أنت؟ ليش متأخر حبيبي؟ أنا جاي بالطريق اشوي ازدحام تانوني عند التقاطع اوكي. ماشي حبيبي أنتظرك أنا والشباب باي. 
- سامر الووو عموري الضلع شخبارك لك ماتجوز من سوالفك ليش متأخر على الموعد؟ ههههه هلو سموري الورد والله جايكم بالطريق تانوني عند التقاطع ماشي. اوكي جذاب منتظريك بس من تتأخر تنكتل! ههههه ماشي ماشي باي باي. 
وبعد أن أجريت الإتصالات بين الأصدقاء وتم تحديد نقطة اللقاء وصل الشاب إلى ذات المكان وكان الجميع متأخر عن الموعد المحدد! بسبب الزحام الشديد لأن الشوارع في بغداد تكتَض بالناس بعد الفطور ! وصل الشباب إلى نفس المكان وسلم الجميع على بعض وبدأ العناق وقَبَلَ الأصدقاء بعضهم البعض. ثم دار بينهم النقاش والحوار للإتفاق على المكان الذي يذهبون إليه لكي يشترون منه ملابس العيد!. بعد جدل طويل بين سامر وعلي وعمر ومحمد قرروا الذهاب إلى سوق الكرادة! لأنها تحتوي على ملابس شبابية رائعة وفيها أحدث الموديلات وكذلك توجد هناك تخفيضات كبيرة على الأسعار بمناسبة قدوم عيد الفطر المبارك!. فإنطلق الشباب والبسمةِ على وجوههم الجميلة. وفي الطريق قال علي: لا لا ياولد ضاعت المحفظة مالتي! - سامر بربك علاوي صدك تحجي! - عمر لك شكد فاهي من يومك أثول خربت الطلعة! - محمد أوف منك علاوي دورها زين يمعود وصلنا السوق بعد مستحيل نرجع!. - علاوي يمعودين المحفظة بيها كل افلوسي! وضاعت دبروني شلون؟
- سامر لا تخاف علاوي أنا عليه اشتري لك البنطلون! - محمد وأنا أتبرع لك بالقميص! 
- عمر وأنا علية الحذاء! بس بشرط اكتلك بيه قبل العيد! حتى بعد ما تضيع محفظتك ههههه! 
- علاوي أشكركم شباب والله محفظتي بجيبي!!! ههههه بس حبيت أختبركم! إذا اعوز افلوس أساعدوني !!
فضحك الجميع على مُزحة علاوي الشاب المرح وقالوا انساعدك علاوي الكبد لعد احنا شلون أصدقاء. 
فوصل الشباب وهم يضحكون من موقف زميلهم المرح والشقي علي إلى السوق وقرروا أن تبدأ عملية التسوق . كان السوق جميل جداً هو مُزدحم بالكثير من الناس وكانت علامات الفرح والسرور لا تفارق محياهم. دخل الشباب إلى مول الملابس وعند صعودهم الدرج! وإذا بشابة جميلة جداً تقابلهم! فقال: علاوي المشاغب ياسلام ملاك ويمشي بالكاع والله تخبل اروح إلها فدوة!! - سامر لك لك علاوي عيب اثكل شوية!! - محمد صدك تخبل الله يستر عليها آية من الجمال والأناقة!! - عمر يمعودين مو هسه توكم فطرتوا شنو هاي السوالف!!. فضحك الجميع وقالوا مَحد اخرب الطلعات غير عمر اللئيم ههههه! عمر ههههه غير اخوفكم حتى ما تندفعون! الشباب لا لا صحيح واضح عليك عموري بسيطة احنا انعلمك بالطلعة! ههههه - علاوي اليوم أتسحر بيك شلون ضاملك بوكس هههههه أصلي ! - سامر أنا استحي بصراحة! أنا وياك عموري! - محمد طبعاً خوب أنتَ لوكي لعموري ههههه! 
ضَحكَ الشباب ووصلوا إلى الطابق الثاني من المول الذي يحتوي أجمل ملابس الشباب.. فبدأ الشباب بالنظر إلى الموديلات الجديدة وقرر كل شخص أن يشتري أجمل مايمكن أن يراه مناسباً له . فقام علي بقياس البنطال الجنز ثم القميص والشباب يعطونه رأيهم فيه! - سامر قال: لا علاوي هذا مو حلو عليك طالع جنك عصفور ههههه!
- محمد يمعود اخبل طالع بس هو شوي ضعيف ! - عمر لا لا أترك هذا الموديل أخذ هذا كلش حلو يطلع عليك !. وظل الشباب على هذا الحال مع كل واحد منهم عندما يبدأ باختيار اللبس المناسب له حتى اشترى الجميع ملابسهم وقررَوا أن يرحلوا وإذا بمحمد يقول: ياشباب دقيـقة بس أشتري عطر نسيت ما أخذت! وعند دخولهم إلى مَحل بيع العطور وإذا بصوت الإنفجار! الذي دوى بالمكان وحدث الإهتزاز الكبير وتطايرت الشضايا وسقطت الرفوف والبضائع فوق الشباب والمتبضعين! وجُرِحَ الكثير منهم!. وكانت الإصابة بالغة للكثير بسبب قوة الإنفجار! وكان هناك شهداء وضحايا!. ولهذا هرع الشباب إلى مساعدة بعض المُصابين ولم ينتبهوا إلى الحريق الهائل الذي نشب في الطابق الأول! وقطع عليهم الطريق للخروج من المبنى!! ولا زالت النار كبيرة جداً وغير مسيطر عليها! فقرر الكثير من الشباب الصعود إلى سطح البناية! وإنتظار فريق الدفاع المدني!. لكي يخمد الحريق ويتمكنوا من الخروج!. لقد جُرِحَ علي وعمر أيضاً وسامر ومحمد يصرخ شباب هل أنتم بخير؟ علي فَقَدَ الوَعّي وعمر يَنزفُ! فحَمَلَ سامر علي وصَعَدَ بهِ إلى سطح البناية! وكذلك محمد أخذَ ملابسهُ الجديدة يمزقها ويشد بها جُرحَ عمر الذي ينزف بكثرة! فجاءَ سامر وقال: هل أنتم بخير؟ لقد إحترق المكان يجب أن نتحرك بسرعة وإلا سوف نبقى هنا فتحرقنا النار ! فتعاون محمد وسامر على حَمل صديقهم عمر الذي ينزف وفاقد للوعيّ! وصعدوا به إلى سطح البناية! فوجودا الكثير من الشباب هناك منهم المُصابين ومنهم من هم بحالة جيدة يحاولون إنقاذ حياة الآخرين! لكن محمد قال: كيف إحترقت البناية بهذه الطريقة وهذه السرعة ؟ فلم يجد جواباً لأن الأسباب مجهولة وسرعان ما قُطِعَ الطريق المؤدي إلى سطح البناية! وأخذت النار تأكل كل من يقف بطريقها! في ظرف دقائق معدودة وَصَلت النار إلى الطابق الثالث! وأصبح اللهبُ يَلوح الأصدقاء الذين جلسوا على السطح سويتاً ينتظرون فريق الدفاع المدني لكي ينقذهم! في هذه الأثناء قال: علي أين أنا هل مُت؟! ومن أنتم؟ لقد فاق وهو يتمتم بهذه الكلمات! فقال لهُ سامر لا حبيبي أنتَ بخير لا تقلق! جرحٌ بسيط في ساقك واتوقع كسر أيضاً! علي قال: ياويلي ما هذا الإنفجار كان قوي جداً!. وأين محمد وعمر؟ - محمد أنا هنا حبيبي. وهذا هو عمر بجنبكَ نائماً وهو أيضاً مَجروح في يدهِ وساقهِ! فَضَحكَ علي وقال: وأين ملابسي الجديدة؟ هل سوف أرتديها بعد هذا الحادث؟! وكيف ذلك ونحنُ هنا بين النيران؟! يارب خلصنا من هذه الشدة!! فبكى الأصدقاء بكاء الأطفال وكأنهم يعلمون إن هذا اليوم هو يومهم الأخير في الحياة! وكانت كلماتهم الأخيرة هي ماذا سوفَ أقول لأمي! وكيف يمكن أن تتحمل الصدمة! وكذلك أبي وإخواني! تأخرت كثيراً سيارة الإطفاء والحريق وَصَلَ إلى سطح البناية! وبدأت الإنفجارات داخل المحلات التجارية تحدث من جراء إحتراق البضائع من العطور والملابس والأثاث وتصاعد الدخان! الذي أصابَ الكثير بالإختناق وصعوبة التنفس والغياب عن الوعي! وصل فريق الإطفاء الذي كان مُتأخر جداً جداً! فوجد الحريق هائل وقد تحول إلى المباني المجاورة! وأصبح خارج السيطرة! لكن الشباب فَرِحوا بِقدوم فريق الإطفاء الذي لم ينتبه لهم في سطح البناية! وبدأ بمعالجة الحريق من الأسفل! وكانت النار شديدةً لاتخمدها المياه! لأن مواد التفجير كانت من نوع ال C4 شديدة الإحتراق! ولا تطفئ بالمياه! ناهيك عن رائحة الدخان القاتل!. ظل الشباب ينادون ويصرخون من بين أَلسِنَت اللهب على رجال الإطفاء! الذين لم يسمعوهم لشدة الهَلع وأصوات الإنفجارات للبضائع والعطور! وكذلك أصوات البنادق للشرطة والجيش لتفريق الناس التي تبحث عن ذويها وَسَط النيران! في هذه الأثناء كان آخر شيئاً فعله الأصدقاء هو الإتصال بذويهم! وتحدث بعض الشباب مع أمهاتهم ولم يخبروهم بحقيقة المأساة التي هم فيها خوفاً عليهم من الصدمة! لكن كل ما إستطاع سامر قولهُ لأمه لا تخافي عليَّ يا أمي الحبيبة سوف لن أعود إلى البيت مجدداً سلمي ليّ على إخواني وأبي وقبليهم جميعاً! ثم قطعَ الإتصال وهو يبكي! وكان يفكر في أم صديقهِ عمر الذي كان فاقد للوعي! كيف يمكن أن يكلمها؟ فبدأ بالبكاء وهو يَضمهُ إلى صَدرهِ وقال: سوف نموت هنا ياصديقي وأنتَ لم تودعَ أحداً من أهلك! أرجوك اصحى وَفُق لكي تكلمهم! لكنهُ كان في غيبوبة لأن إصابتهِ كانت خطيرة! وعلي ودعَ أمهُ باكياً وقال: لها كل عام وأنتِ بخير مقدماً قبلاتي الحارة لجبينكِ ياأمي سَلمي ليّ على إخواني وأبي لقد حان وقتُ رَحيلي! وقطع الإتصال وهو يصرخ ويبكي! ومحمد الذي أتصل بأختهِ الكبيرة وسلم عليها وودعها باكياً وقال: لا تقلقي أختي الحبيبة سوفَ أذهبُ إلى لقاء أمي التي أشتَقتُ لها كثيراً! كان يقصد أمهُ الشهيدة التي وَدَعت الحياة قَبلهُ بإنفجار مُماثل في أحدى الأسواق الشعبية! فَبكت أختهُ وقالت من سوف يَسندُ ظهري بَعدَكَ يا أخي؟! ومن سوف يُعيننَي على تربيةِ إخواني الصغار! تمتمت هذه الكلمات ثم قال لها وداعاً لقد إختَنقتُ من رائحةِ الدخان! سلمي ليّ على إخواني وأبي وقبليهم جميعاً ! وداعاً أختي سوف أخبرُ أمي عَنكِ وعن تَعبكِ معنا كوني قوية ولا تنكسري فإخواني الصغار أمانة في عنقكِ وداعاً!!..
فبدأت النارُ تقترب منهم وبدأ الشباب يصرخون ولا من مجيب! فريق الإطفاء كان متأخراً وكانت تنقصهم الخبرة في التعامل مع هذا الحريق الهائل! كذلك كان يجب أن تكون هناك طائرة تعمل على إنقاذ الشباب من سقف البناية! وللأسف لا توجد هذه الإمكانيات في بلدي! فَصرخَ الشبابُ وصرخوا وصرخوا حتى إحترقت أجسادهم الطاهرة! وكانت آخر "صرخة من نار "
تخرج من أفواههم
وتقول نعم حُرِقَت أجسادنا لأجل الوطن! ولأجل أن تكون ذكرى إستشهادنا وحدةً ولحمةً لأبناء العراق جميعاً! لأننا نُمَثل كل الطوائف والأديان والقوميات! أكلتنا نيران واحدة وهي نيران الظلم والفساد والإرهاب! توحد أيها الوطن لا تستمع إلى شعارات الإعداد وإنتفض بوجه الظلم والفساد والفاسدين! هذه صرخة الشهداء الأخيرة التي صَرخوا بها في أنفاسهم الأخيرة وكانت صرخةً من نار ! وداعاً أيها الشباب وداعاً أيها الأبطال لقد قدمتم لنا أجسادكم وأرواحكم الطاهرة وأعطيتمونا درساً لن ننساه! فليرحمكم الله ويصبر أهلكم على هذا المُصاب. 
وداعاً وداعاً وداعاً وكل عام وأنتم بخير يا قرابين العيد الشهيد لهذا العام 
وداعاً......

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق