الأحد، 21 أكتوبر 2018

مجلة الهيكل ... مصطفي حسن محمد سليم .. طريق الموت ... قصة قصيرة


ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏



كانت هذه هي المرة الأولي، التي أسافر فيها إلي بلدة زميلي في العمل يسري، وقد رجعت من العمل في وقت متأخر هذا اليوم علي غير العادة، وشعرت بالأرهاق الشديد الذي بذلته في العمل طوال اليوم، وقد شعرت بتثاقل شديد في جفوني ورغبة ملحة في النوم، حاولت أن اقاوم ذلك الشعور، ولكني لم استطيع، واتخذت قراري بالخلود للنوم ولو مجرد ساعة واحدة ،وإلا كيف سأقود سيارتي كل هذه المسافة إلي بلدة زميلي في العمل لحضور حفل زفاف أخيه، وقمت بتحديد ساعة المنبه علي ساعة واحدة فقط، قبل أن اخلد إلي النوم مباشرة، لاأعلم كيف لم أستمع لدقات المنبه المتتالية، ربما من شدة التعب والأرهاق، وعندما كنت اتقلب في الفراش، وقعت عيني علي الساعة المعلقة علي الحائط ،الذي يقع أمامي مباشرة، فوجدت أنه قد مرت ثلاث ساعات علي ذهابي للنوم، وليس ساعة واحدة كما خططت لذلك من قبل، وانتفض جسدي في عنف وأنا أقفز من الفراش، وأسرعت إلي ارتداء ملابسي بسرعة شديدة ،ولم تمر سوي عشر دقائق إلا وكنت خلف مقود سيارتي، أندفع علي الطريق المؤدي إلي البلدة التي يقام فيها حفل الزفاف، كانت الرحلة إلي البلدة تسير بشكل جيد، حتي لاحت لي مشارف البلدة من بعيد، وفجأة تعطلت سيارتي، حاولت أصلاحها أكثر من مرة ولكن لافائدة، فركلت السيارة بقدمي في عنف تعبيرا عن غضبي الشديد، ولم أجد حلا آخر غير أن اقطع الباقي من الطريق سيرا علي قدمي، وانا اتمتم بكل أنواع السخط والحنق، كان الظلام شديد من حولي، وانتهي الطريق الضيق الذي سلكته بي نحو ترعة موضوع عليها جذع شجرة رفيع، يبدو أنه الوسيلة الوحيدة للمرور من فوق هذه الترعة، ولم اجد مفر من ذلك وانا أمر عليها بخطوات حذرة مثل راقص الباليه، وعندما جاوزت هذا الجسر اللعين، اخذت اتوجه بالدعاء إلي الله إني لم اسقط في تلك الترعة اثناء عبوري علي ذلك الجذع، الذي كان يتحرك من تحت قدمي كلما خطوت عليه، وقلبي كان يسقط معه في قدمي ،فأنا لااجيد السباحة لو سقطت بداخل هذه الترعة، وماشجعني علي عبوره هو ظهور قاع الترعة بوضوح في ضوء القمر ،فحتي لو سقطت فيها لم يكن سيصيبني الغرق، وقد وجدت نفسي بعد عبور ذلك الجذع، بداخل مجموعة أراضي زراعية تقع علي امتداد البصر، فكرت في التراجع للخلف والبحث عن وسيلة مواصلات أخري للذهاب إلي حفل الزفاف، وبدأت أشعر وانا افكر في ذلك، إني اوقعت نفسي في كمين لايمكن الهرب منه بسوء تصرفي هذا ،ولم أجد حل آخر غير أن اكمل طريقي، فحتي لو فكرت في الرجوع، فأن وجود ذلك الجذع اللعين كعائق قد جعلني اغير تفكيري، لقد تنفست الصعداء بمجرد أن مريت عليه بصعوبة بالغة، ولم يكن أمامي حل آخر غير أن اكمل المرور في تلك الأراضي الزراعية، فقد يصادفني طريق آخر للخروج من هذه الورطة، وأخذت اتلفت حولي ابحث عن أي إنسان في هذا المكان، كان القمر بدرا هذه الليلة والرؤية أمامي واضحة بشكل كامل، وحمدت الله في سري علي ذلك، وأخيرا لمحت شبح إنسان يتقدم نحوي في خطوات منتظمة، وخيل إلي ايضا أن هذا الشبح يبدو قصير أحيانا، وأحيانا أخري اجده طويل، وشعرت بأنقباض شديد عندما أقترب مني هذا الشبح، ومر خاطر سريع علي عقلي، ربما يكون ذلك الشبح هو شبح إنسان قد مات بالفعل ، ولا ينتمي لجنس البشر في شيء، فقد سمعت حكايات مرعبة كثيرة عن ظهور الأشباح في الليالي المقمرة كثيرا من قبل، وقد وجدت قلبي يقع في قدمي بعنف من الخوف، وبدأت اسمع دقاته ثم تجمدت قدمي في الأرض بعنف شديد ترفض التقدم أي خطوة أخري إلي الأمام ،وجف اللعاب في حلقي من الخوف، حاولت أن ابعث الطمأنينة بداخل قلبي ،وفكرت في فعل اي شيء ، فلم أجد غير أن ارفع يدي بالإشارة لذلك الشبح، ورفعت يدي بصعوبة شديدة التي بدأت أشعر بها وقد سري بها تثاقل شديد ، وقد وجدت ذلك الشبح يسرع نحوي وهو يرفع يديه ايضا أو قد خيل إلي ذلك من الخوف ، وعندما اقترب مني اكثر حاولت التحقق من ملامح وجه، وأنا اقول له في خفوت من شدة الخوف وقد امتقع وجهي، أنا غريب عن هذه البلدة، وكنت قد حضرت لحضور حفل زفاف أخو صديقي يسري، هل هو بعيد عن هذا المكان ؟ فأجابني الرجل بصوت أجوف لم استطيع تمييز بعض كلماته غير المفهومة، سوي كلمة واحدة فقط هي بعيد، وشعرت برعب شديد أكثر من الأول ،عندما وجدت ذلك الشبح يسير أمامي في خطوات مسرعة، عائدا من نفس الطريق الذي حضر منه، ولم اجد مفر من تتبع خطواته وجسدي يرتجف في عنف من الخوف، ونفس الأنطباع الذي مر بخاطري أول مرة ،عندما رايت فيها خيال هذا الشبح ،قد وجدته وأنا اسير خلفه، أحيانا اجده طويل، وأحيانا اخري اجده قصير، ثم توقف فجأة وهو يشير لي علي أنوار واضحة من بعيد ،وتركني وأنصرف مسرعا دون أبداء اي رد فعل آخر نحوي ،التفت خلفي لشكره ،ولكني قد وجدته قد اختفي فجأة، وكأنه لم يكن له وجود علي الأطلاق ،حمدت الله في سري كثيرا علي انصراف ذلك الرجل دون صدور أي اذية منه نحوي، وأنا احاول طرد فكرة أنه شبح من عقلي، بدأت الأنوار الشديدة التي أقترب منها تظهر بوضوح شديد، وعندما اقتربت منه كان سرداق لفرح، وسمعت صوت طبل وأغاني وأنا أقترب من السرداق، الذي كان يبدو خاويا بعض الشيء، وشعرت إني حضرت متأخرا جدا فقد أنصرف أغلب المعازيم من الفرح، وشعرت بالحرج الشديد وأنا ابحث عن العريس، فقد سبق وشاهدت صورته من قبل هو أو زميلي في العمل يسري، ولم أجد أي احد منهم، وكانت المقاعد التي بجواري تبدو خاوية مثل باقي السرداق المقام، والموسيقي المنبعثة التي تصل إلي أذني غريبة جدا، حتي الأشخاص الموجودين ملامحهم ايضا غريبة، هي تبدو لبشر فعلا ،ولكن عندما تنظر في ملامحهم تشعر وكأنك تنظر إلي لاشيء، تبدو وكأنك تنظر إلي فراغ، حاولت أن اسأل اي احد منهم علي يسري أواخوه، شعرت أن كل الموجودين يخشون الأقتراب مني ، وارجعت ذلك لعدم معرفتهم لي من قبل، ونظرت في ساعتي وقد وجدت أنه لم يتبقي كثيرا علي أذان الفجر، كيف مر الوقت هكذا سريعا لاأعرف؟ وكيف لم أشعر بمروره هكذا؟! وبدأت اشعر بالأرهاق الشديد من المجهود الذي بذلته منذ وصولي إلي هذه البلدة، ومروري علي الجسر، والطريق الطويل الذي قطعته حتي وصلت إلي هذا المكان، وشعرت بتثاقل شديد في جفني، ورغبة ملحة في النوم، حاولت أن اقاوم النوم بشدة ولكن لافائدة، ولم أشعر بنفسي إلا واشعة الشمس تقع علي وجهي، وألاف المطارق التي تضرب رأسي في عنف من الصداع، وفتحت عيني المغلقة، لتقع عيني علي شواهد القبور، وقد وجدت نفسي اجلس فوق أحد هذه الشواهد، انتفض جسدي في عنف، وأنا اقف علي قدمي، وأنفض التراب الذي أمتلئت به ملابسي، وأنا اتسائل ماالذي جاء بي إلي هذا المكان ؟ واين الفرح والمعازيم والمقاعد؟ وكيف لم اشعر بنفسي كل ذلك الوقت؟ واخذت انظر بجانبي، كان يحوطني من كل جانب شواهد هذه المقابر، ولاوجود فقط سوي لرائحة الموت المنبعثة من داخل هذه المقابر التي تحوطني من كل جهة، ياإلهي ماذا حدث لي ؟ واندفعت خارج هذا المكان وانا ابحث علي الطريق، حتي وجدت شخص كان يسير خارج المقابر، وهو ينظر لي في ذهول، كأنه شاهد عفريت من الجن قائلا لي من انت؟ وماذا كنت تفعل داخل هذه المقابر؟! حاولت أن استجمع أنفاسي بصعوبة وأنا اجيبه موضحا له كل ماحدث لي من قبل، فوجدت الرجل قد وقع علي الأرض من كثرة الضحك، وعندما بدأ يتمالك أعصابه بدأ يوضح لي ما قد حدث لي من قبل، وهو يقول لي في سخرية أنك مكثت ليلة كاملة مع العفاريت ياأستاذ ،هذه المنطقة تقع خارج البلدة وهي لمقابر البلدة، ولم يكن هناك أي فرح في هذه البلدة أمس، والبلدة التي تبحث عنها هي بجوارنا، وليست هي هذه البلدة، التي توجد بها الآن، احمد ربنا أنك بخير حتي الآن، وتركني وأنصرف بعد أن إشار لي علي طريق الخروج من البلدة، وأنا اقف مذهولا مما حدث لي من كل هذه الأحداث المتلاحقة في هذه الليلة المرعبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق