السبت، 2 يوليو 2016

الشاعر: جعفر حيدر ... أبو الفرات





في رثاء الشاعر العراقي: محمد مهدي الجواهري
ألقيت في أربعينيته / في براغ
****

أبو الفرات

أين العراق ؟ وأين أهلُ الدارِ ؟
السَّابقون مواكبَ الأقمارِ

قُبَلٌ على شفةِ الخلودِ ...
وهذه بغدادُ ...
والنَّجفُ الشَّريفُ مزاري

ما للرّصافةِ ؟
والمَها؟
وعيونُها ... بالدَّمعِ تَشْرَقُ
بالدَمِ المِدْرارِ

أين الجواهريُّ
يصدحُ شعرُهُ
ويعيدُ فينا ... لحظةَ استذكارِ

***

من بابلٍ !!!
كانتْ بدايةُ رِحلتي
ولشهرزادٍ !!!
قد مضتْ أسفاري

أُرخي على الأفلاكِ حزنَ قصائدي
فتضوعُ أحزاني على سمّاري

وأبو الفراتِ يُطِلُّ من أبياتهِ
بحراً من الأشعارِ ....
دون قرارِ

فإذا تلا شِعراً ...
تَنَصَّتْ صامتاً ...
خَشِعاً ..
لما يُتلى من الأشعارِ

بسموِّها مجدُ الحياةِ !!
وسحرُها : ما تفعلُ الألحانُ بالأوتارِ

اليوم ضاعت شهرزادي من يدي
وفقدْتُ بابلَ ..
وانتهتْ أسْفاري

اليوم !!
لا هارونُ عادَ يهمُّني
وزبيدةٌ ... صارتْ بلا تذكارِ

وأبو نؤاسٍ بالقصيدةِ جاءَني
يحنو عليَّ ...
بخمرةٍ وجرارِ

الرّافدانِ : أبو الفراتِ وشِعرُهُ
لا الرافدانِ : الماءُ في الأنهارِ

***

أنا من شــــــآم !!
ألَسْـــتَ تذكرُ من أنا؟
أنا قاسيونُ ....
منارةُ الإكـــــبار !!

أنا غوطـــةٌ ....
أنا ربوةٌ ...
بردى أنا ...
ومنابع التاريــخ من آباري

أنا ما حملْتُ الحِقدَ يوماً في دمي
مهما تَكاثرَ في الدُّجى زُوّاري

الكاذبونَ على الطَّريقِ تركتُهُمْ
يتلهَّفونَ ... ليلحَقوا بِغُباري

من ضِفَّـتين جميلتينِ لدجلةٍ
نشأ الهوى ...
كتنفــُّسِ الأشــجارِ

وبحورتين على الفراتِ اهتزّتا
جاءَ الرَّبيع ...
كعاشقِ الأطيارِ

***

يا شامُ ...
ذاك أبو الفراتِ مخلّدٌ ..
رغمَ الرَّحيلِِ مخلَّدٌ في الدّارِ

أنا عاشقٌ ....
رغمَ المآسي عاشقٌ
مالي خيارٌ ..
أنتِ كلُّ خِياري

إنّي عشقتُك وابتدأتُ قضيَّتي
ورسمْتُ باسْمكِ مَولدي ... ومَساري

لا يَكذبُ الحرفُ الجَميلُ ... لأنَّه
يرِث النبوّة من دمِ الشّعارِ

هذي الزّواريب الّتي لمْلمتها
أزرارَ وردٍ ...
في مدى أزرارِ

والجسرُ
والمقهى الجميلُ
وشلّةٌ ...
عَرَجَتْ بأغنيةٍ على خَمّارِ

وصبيَّةٌ ... بفِرائِها ملفوفَةٌ
تُخفي كنائزَها
عن النُّظـّارِ

يتحَدَّثون عن القصائدِ كلُّهُم
ويسرُّ جارٌ في الطَّريقِ ...
لجارِ

***

في براغ كانَ لقاؤنا يا سيّدي
في غربةٍ ...
اقسى من الأقدارِ

لوْ لمْ ندِفها باصطِبار علقمٍ
أكَلَتْ جوانِحَنا بلا أعذارِ

ببساطةِ الغرباءِ ... كان حديثُنا
عذباً .. كبوحِ النـَّايِ للقيثارِ

الحرفُ لَمْلَمَنا على أحزانِنا
نشدو به .. في خاطرِ الأسْحارِ

العبقريَّة...
والمحبَّةُ ..
والهُدى
ودمُ النِّضالِ
وبيرقُ الثّوّارِ

والفكرُ ...
والشّمسُ الطّليقة
والمنى !!
للحرِّ
لا للمعتدي الجَبّار

العيشُ .... أن تحيا بكلّ قصيدةٍ
والموت !!
أنْ تحيا بلا أشعارِ

أعمارُنا موصولةٌ بخلودِنا...
لا يُحْصَرُ الأحرارُ بالأعمارِ

***

يا شيخُ...
إنّ الشعرَ يركضُ لاهثا
في زحمةِ التـَّجديف والإبحارِ

قد ضيّع اللـُّغةَ الـّتي أغنيتَها
مُدِّ المريضَ بجرعةٍ وعقارِ

ما للغموضِ يكادُ يأكلُ شِعرَنا
والشّمسُ ضاعتْ في بطونِ النـّار

هل حَرفُهُ هو حرفُنا يا سيِّدي ؟؟؟
إني أتوهُ بلهفةِ المُحْتارِ

مستَشْعِرونَ على الطـّريقِ تكاثروا
كتكاثُرِ الحكَّام في الأقطارِ

وتناسلوا كالمطربين بلا هدىً
وتوالدوا كتوالدِ الصّرصارِ

حتى كأنَّهُمُ لكلِّ مواطِنٍ :
مسْتَشْعِرٌ ومُطَرِّبٌ وجواري

***

أأبا الفراتِ...
وقد عرَفتُك عِندنا
في براغ !!
ملحمةً من الإصرارِ

كنّا معا
ونعيشُ في قلبي معاً
فتعالَ وافرشْ للمحبـّةِ داري

كانَ الفراقُ
وكانَ ما لا نبتغي
أقسى من التـّابوتِ والمسمار

أهلوكَ أهلي
والمحبـّةُ أمّنا
وفراقُنا قـَدَرٌ من الأقْدار

للعبقريَّةِ غربةٌ في أهلِها
من حاسدٍ لبقٍ ومن ثرثار

***

يا حاملَ التِّسعين ...
في قسماتِهِ
أنفُ الشُّموخِ ...
ولفتَةُ استكبارِ

جسدٌ ... يعذّبُهُ الطُّموحُ
وروحُه .... روحُ الشَّبابِ
وقوَّةِ المِغوار

جازَ المدى بفؤادِهِ متألِّقا
وأتى الحقيقةَ موكباً من غارِ

لم يُثنِهِ ثِقلُ السِّنينِ عنِ الهوى
ولَكَمْ يضيقُ بما أُريدُ مداري

يا قادماً ...
أسطورةً من بابلٍ
وصلتْ أوابدُها إلى عشتار

قَضَتِ الحياةُ بأنْ تظلَّ مدوّيا
رغمَ الفراقِ ...
كدفقَةِ الإعصارِ

هيهاتَ يتَّسِعُ التُّرابُ لشاعرٍ
ملأ الفضاءَ بشعرهِ المُختارِ

***

أينَ العراقُ ؟؟؟
وأينَ أهلُ الدَّارِ
السّابقونَ ملاعبَ الأقْمار

أينَ العراقُ ؟؟
وما السُّؤالُ سوى دمي
ما بين كردستانَ والأهوارِ

أنا عاتبٌ يا دجلتي ..
أنا عاتبٌ
لا تُنكري صُبحي ...
وضوءَ نهاري

لا تُنكري وجعي
ولا تَستنكري ألمي
ولا تَستغربي استنكاري

جرحُ الحسين
دمُ الصليب
مواجعي
وحريقُ جانْ داركٍ
يعيشُ بداري

والشِّعرُ أخلدُ من جنائنِ بابلٍ
وأَحَقُّ بالتّخليدِ من ذي قارِ

***

( الموت معجزة ) !!!
أليس رفيقَنا
أوليس آخرَ بيدرِ الأعمار

أوليس ظلاًّ للحياةِ مماثلا
أوليس أطولَ لحظةَ استقرار

لولا المماتُ لما تألَّقَ سيِّدٌ
لتساوتِ الفجَّارُ بالأخيار

لولاه ما أتَتِ الفصولُ جميلةً
ولماتَ كانونٌ على آذارِ

لولاه ما جاءتْ دياناتُ السَّما
ولمات ظلُّ الواحد القهَّارِ

ولقوِّض الإنسان من أركانه
ولأصبح التّاريخ دون شعارِ

لولاه ما عُرفَ الخلودُ لشاعرٍ
كأبي الفراتِ وسيِِّدِ الأشعارِ

فاهنأ !!
فقد أبدعْتَ في عمرٍ مضى
ولك الخلودُ بآخرِ المشوارِ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق