الخميس، 7 يوليو 2016

زيد الحمادي .... في قلبي مدينةٌ برداءٍ أسود




في قلبي مدينةٌ برداءٍ أسود

لا تفارقني الرقّةُ
بشوارعها
تجتاحني وجوهها الغريبة وأنفاس مجاهديها المتقطعة بلهيبِ رعشةٍ جنسية مكبوتة منذ عمر
تجيئني عطورهم الرخيصة
التي دنّست شوارعها البسيطة كأنهم هنا منذ مئات السنين
لتقتحمٓ حدائقها من الرشيد إلى المنصور
فتعود بي إلى حاويات قمامتها القذرة
السافرة كلحاهم النتنة
تلك الرائحةُ العفنة المنبعثة من جعب الموت التي تزنّر صدورهم
تلك الثياب التي دنّست منازلها والمطالع
بكلّ ذاك الشد والجذب اللذان
جعلانها بهذه الصورة التي لا تفارقني !
أشعر أحيانا أنّها تعاقبني لأنني هنا
حين يتسرّب لقلبي سوادها من مسافة ألفِ ميل
فأشعرُ بانتماء الحيّ للميت
لأزور المقبرة ببضع وريقات من الآس والقرنفل
أردّد آية الكرسي وما حفظته من جزء عمّ
وقد يحدث أن أغنّي " موطني هل أراك !! "
ففي المقابرٓ يختلط الحزن بموسيقا من أودعانهم تحت الثرى
أو فوقها
فيخطرُ لي الفرات متهاديا وأنسى أنّ منبعه من هنا حيث يقيم حزني
طالما اعتقدتُ أنّه ينبع من بيتكِ
كلما رأيت صورتك على ضفافه كحوريّة بثوبها الأزرق ..
أنا أدرك ذلك ككل رقّاويّ تنسّم ضوع الفرات
تحت شجيرات الحور والنخيل
حتى أخال أحيانا أنّني واحدا من المندائيين
أولئك الأشدّ تقديسا للفرات وأهله..
فأردّدُ ابتهالي الرقّاوي الحزين..
صغيرا أنا بين الملائكة الأثريين
طفلا أنا بين النورانيين
ولكنّي أصبحت عظيما لأنّي شربت من ثغر الفرات
ثغر الفرات
الذي جاءني على هيئة شفاهك السمر ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق